حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه
يعتبر حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه حسب آراء العلماء من الأحكام الحاكمة للحياة الزوجية، والتي يترتب عليها استقرار أو انهيار الأسرة، حيث إن التراجع عن يمين الطلاق من الأمور التي يقع فيها الكثير من الرجال ظنًا منهم أن هذا أمر هين أو سهل.
حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع
الحلف بالطلاق من أبغض اليمين التي يمكن أن يلجأ لها رجل لتنفيذ أمر يرغب به، فحلف يمين الطلاق يمكن أن يحلف به الرجل في ظروف كثيرة.. ومنها أن يتم حلف اليمين في حالة الغضب، ويمكن مراعاة هذا الأمر لأنه ليس من عادته.
لكن يوجد نوع من الرجال يكون يمين الطلاق على لسانه دائمًا وهذا من الأمور البغيضة التي يمكن أن تجعله يهدم بيته وأسرته، حيث إن ديننا أمرنا بالزواج، وبناء أسرة مسلمة.. تكون سببًا في خروج نشأ مسلم صالح.
فكيف يتحقق ذلك في حال ما كانت الأسرة مزعزعة غير مستقرة، كما أن ديننا الحنيف جعل الطلاق يمكن وقوعه لثلاث مرات.. بعدها لا يمكن للرجل أن يرد زوجته، إلا في حالة ما تزوجت، وتطلقت من زوجها لأي سبب، أو قد توفي زوجها، وأغلب الأوقات لا يحدث هذا كثيرًا.
كذلك يتخذ البعض يمين الطلاق كنوع من التعسيف، أو العقاب، والإجبار على شيء، فذلك التي تعتبر من الأمور التي تدل على ضعف الشخصية.. وعدم قيادة أمور المنزل برجاحة عقل.
فقد جعل الله يمين الطلاق في يد الرجل لأنه المسئول عن إدارة أمور منزله وأسرته، ولأنه من المفروض أن يكون أكثر تحكمًا في ذمام تصرفاته وما يخرج من لسانه.
لكن إذا حدث وحلف الرجل يمين الطلاق، وبعد أن هدأت الأمور بينه وبين زوجته أراد أن يرجع في يمينه، وهذا ما يحدث في أغلب الأحوال، فبعض العلماء أجازت الأمر، والبعض لم يجزه.. أي أنهم اختلفوا في الأمر وفي السطور القادمة سنقدم حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه بالنسبة للرأيين وما يجب فعله عند الرجوع في اليمين.
لا يفوتك أيضًا: كيف يمكن تخطي الزعل بعد الطلاق ؟
رأي من أفتى بعدم جواز الرجوع في اليمين
رأى هذا الفريق من العلماء أن أي يمين بالطلاق ينطق به الرجل هو طلاق معلق، فإذا وقع هذا اليمين تم احتسابه طلاق، ولا يمكن الرجوع في هذا اليمين.
حيث يحتسب طلقة من المرات الثلاثة التي يمكن أن يطلق الرجل فيها زوجته، وله أن يراجعها.. أي أن تعود إلى عصمته مرة أخرى، ويكون ذلك في فترة العدة، وبشهادة شاهدين ذوا عدل.
من الجدير بالذكر أنه إذا وقعت الطلقة.. وكانت المرة الأولى، أو الثانية فتجوز المراجعة، أما إذا كانت الطلقة الثالثة فلا تجوز المراجعة، ويمكن أيضًا مراجعة المرأة في الطلقتين الأولى، والثانية مع انتهاء فترة العدة لكن بمهر جديد.
فدلالة هذ الفريق على أن يمين الطلاق لا يمكن الرجوع فيه قول المولى عز وجل: “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ” سورة البقرة آية 229.. وقول الله سبحانه وتعالى “فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ” سورة الطلاق آية 1.
أما الدليل الآخر من السنة، وفي حديث رسول الله.. فعن أبو هريرة: “ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وهَزلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكاح، والطَّلاقُ، والرَّجعةُ” ففي هذا الحديث يقول لنا رسول الله، أنه توجد أمور لا يوجد فيها أي مزاح لأنه بنطقها فهي واجبة الوقوع.
كما أنهم يقولون بأن هذا اليمين المعلق، إذا كان المقصود به المنع فيكون الطلاق مقصود.. حيث أن الزوج جعله مانع لفعل حدث معين، فلولا اليمين لم يحدث المنع للفعل، وهذا ما ننوه إليه في الحديث عن حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه.
رأي من أفتى بجواز الرجوع في اليمين
هذا الفريق من العلماء أن الأمر في الأساس يعود لنية من حلف اليمين، وذلك بحديث عمر بن الخطاب “إنما الأعمال بالنيات”، فيقول القسم الأول أن الرجل إذا قصد في يمينه التعليق للطلاق على قيام زوجته بفل معين يريد منعها منه.
فلا يمكن الرجوع في هذا اليمين لأن نية الرجل وقوع اليمين في حالة حدوث الفعل، وتحتسب طلقة كما ذكرنا.
بالنسبة للفريق الثاني فرأيه أن الرجل إذا كان يقصد بيمينه أن يمنعها عن القيام بفعل معين، أو أن تقوم بتنفيذ أمر قد أمرها به.. فلا يعتبر ذلك طلاق معلق إنما هو يمين عادي، واليمين العادي يمكن الرجوع فيه وله كفارة.
كفارة يمين الطلاق
استكمالًا لحكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه، ذكرنا سابقًا أنه برأي الفريق الثاني من العلماء أن اليمين الذي لم يقصد به الطلاق من الأيمان العادية.. وهذا النوع من الأيمان كفارته إطعام 10 مساكين، أو كسوة 10 مساكين، أو تحرير رقبة.. لكن من لم يكن في استطاعته أن يقوم بالإطعام، أو الكسوة فعليه الصيام 3 أيام.
فبما أننا تحدثنا عن اليمين العادية علينا أن نعلم أن اليمين له 3 أنواع.. فأول نوع هو اليمين المنعقدة.. فهذا النوع من الأيمان يكون حالف اليمين قاصد كل ما يقول، وعاقد نيته على ما قيل في هذا اليمين.. ففي هذا النوع تجب الكفارة إذا أراد الفرد الرجوع في يمينه.
النوع الثاني ما يسمى يمين اللغو.. فذلك اليمين عندما يقوم الفرد بحلفه لا يكون قاصدًا هذا اليمين، أو أنه يكون قد حلف على أمر ثم تبين أنه عكس ما حلف على عدم دراية منه.. فهذا اليمين لا يجب على من حلف به الكفارة، ولا إثم عليه.
أما النوع الثالث فهو اليمين الغموس.. ففي هذه الحالة يكون من حلف اليمين قاصدًا يمينه كما أنه حلف اليمين كذبًا، فهو يكون قد بيت النية على اليمين الكاذبة.
فقد سميت يمين غموس لأنها تكون سببًا في أن يغمس صاحبها في النار.. واليمين الغموس هو كبيرة من الكبائر حيث إنه يتسبب في أن تضيع به الحقوق، وهو باب من أبواب للغش والخيانة.
لا يفوتك أيضًا: أسلوب التعامل مع الزوجة وتجنب الطلاق
رأي الجوزي في حكم من حلف بالطلاق ثم رجع فيه
الإمام ابن القيم الجوزي -رحمه الله- أفتى بأن هذا الأمر يعود إلى نية الزوج، فإذا كان يقصد بيمينه وقوع الطلاق ويريده، فاليمين نافذة، ولا رجوع فيها، أما إذا كان الزوج يريد أن يقوم بمنع زوجته من فعل أمر معين، أو التحريض على فعل ما فيعتبر ذلك يمين عادية، ولها كفارة.
رأي ابن تيمية في الحكم
شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في فتاويه بحكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه، كان له رأي الفريق الثاني أيضًا، فالأمر أيضًا على نية الزوج إن كان المقصود فعلًا وقوع اليمين.. أم أنه كان يقصد منع الزوجة من أن تقوم بفعل معين، إجبارها على القيام بفعل ترفضه.
رأي ابن عثيمين في حكم الطلاق المعلق
بالنسبة لرأي الشيخ بن عثيمين في حكم من حلف بالطلاق ورجع عن يمينه فقد كان رأيًا حياديًا.. حيث ذكر رأي جمهور العلماء، وهو رأي الفريق الأول الذي أفتى بعدم جواز الرجوع في اليمين.
ثم عرض رأي ابن تيمية.. حيث قال إن هذا حق من حقوق الزوج إن أراد أن يقع يمينه فعل، وإن أراد أن يسقطه فلا بأس.
ففي هذا الصدد وجب أن نوضح أن كل هذه الآراء هي اجتهادات من العلماء، فلا يوجد نص واضح، وصريح في هذا الأمر.. فعلى الشخص أن يستفتي قلبه، ويتبع ما يراه أنسب له.
لا يفوتك أيضًا: أسباب الطلاق الصامت واثره على الأبناء
حكم من حلف بالطلاق وقت الغضب
الطلاق من الأمور المشروعة في الدين الإسلامي، لكن تو وضع ضوابط صارمة لهذا الأمر الذي يبغضه الله -عز وجل- مع أنه حلال، وذلك للعواقب الوخيمة التي تترتب على هذا الطلاق.
فيتبادر لذهن البعض سؤال شائع هو هل يمين الطلاق وقت الغضب يكون واجب الوقوع، أم لا يجب وقوعه، فتأتينا الإجابة بأنه من البديهي أن تكون اليمين التي حلفها الزوج وقعت وقت الغضب.. ولم تكن في وقت المسرات.
لذلك فاليمين واقعة إلا في حالة واحدة وهي نادرة الحدوث، وهي أن يكون الزوج قد وصل إلى حالة هيستيرية من الغضب تجعله لا يدري ما يقول، ولا يعيه.. ففي هذه الحالة لا يقع الطلاق.
إنه من الأولى والأجدر الابتعاد نهائيًا عن هذا الباب حفاظًا على الأسرة واستقرارها.. لأنه من الممكن في لحظة غضب وعناد تنهار، وعلينا عدم مخالفة حدود الله في أحكامه، هذا هو حكم من حلف بالطلاق ثم أراد الرجوع عن يمينه.