تعريف المدرسة السريالية
تعريف المدرسة السريالية، يُمكن تعريفها على أنها إحدى مدارس الفن الفرنسي والتي تُسمى أيضًا بالمدرسة الفوق واقعية، ظهرت في العقد الثالث من القرن العشرين على يد الفنان الفرنسي أندريه بريتون، حين ظهرت أعمالاً فنية غريبة عن الفن المألوف، وقد لقيت رواجًا عظيمًا منذ انطلاقها إلى أن بلغ ذروته ما بين عامي 1924 و 1929، وكانت تحوي مجموعة مميزة من أعظم الفنانين، الذين كان لهم أثر واضح وبصمة مميزة في عالم الفن.
تعريف المدرسة السريالية
بعد أن هدأت نيران الحرب العالمية الأولى وفي عام 1924، قام الفنانون الدادائيون بإحداث تغيير كبير في الحركة الدادائية، حيث انتقلوا من حالتهم السلبية إلى حالة إيجابية، تظهر في أعمالهم وحاولوا ملء الفراغ الذي تعمدوا إحداثه، عن طريق البحث عن ظواهر غير عقلانية للفكر، باستخدام وسائل علمية وحديثية، ومن هنا انطلق تعريف المدرسة السريالية.
كما هو الحال في إصدار أول بيان للمدرسة الدادائية، أصدر الفنان الشاعر السريالي أندريه بريتون بيانه، وقد تمثل في “الحرب ضد القوانين والاتفاقيات التي تحدث إختناقاً للفكر الإنساني”، نادوّا هؤلاء الفنانين بالتحرر فاختاروا الغموض في لوحاتهم، التي تصدر من العقل الباطن والخيالات السحر والأحلام.
من هنا فإن السريالية لم تكن تُمثل الواقع في حد ذاته، بل كانت تُبالغ في تصويره والأكثر أنها تتجاوز الواقع، ومن هنا نشأت تسميتها بالفواقعية أو الفوق واقعية.
نشأة المدرسة السريالية
استمدت المدرسة نشأتها من نشأة المدرسة الدادائية، والتي بدأت في الظهور ما بين عامي 1916 و1917 كرد فعل على ما خلفته الحرب العالمية الأولى من دمار ومآسي، أدت إلى تغيير طريقة تفكير بعض الفنانين وطريقة نظرتهم إلى الواقع من حولهم، مما نتج عنه ظهور لبعض الأعمال الفنية الغريبة عن المألوف.
من الأغرب أنها لقيت إقبالًا كبيرًا، مما شجع هؤلاء الفنانين على الاجتماع في أحد المقاهي لوضع اسم لتلك الحركة الفنية، وحينئذ ظهرت الحيرة باختيار الاسم المناسب، فقام أحد الفنانين بإحضار قاموسًا فرنسيًا وغرس به سكينًا وجده على المائدة، وبعدها فتح القاموس ليبحث عن موقع غرس السكين فوجده عند كلمة “دادا”، والتي تعني “لعبة أرجوحة الحصان الخشبي”، ولم يُعارضه أحد في تلك التسمية نظرًا لأنها جاءت عشوائية مثل الحروب.
كان الهدف من نشأتها التعبير عن الفراغ ونشر الفوضى حيث حملت تلك المدرسة شعار “كل شئ لا يعني شئ، بل اللا شئ هو كل شئ”، حينئذ أعلن الفنان كريستيان تازارا بيانه الأول لتلك الحركة، حيث قال “لقد فقدنا الثقة في ثقافتنا، ويجب أن يُهدم كل شئ لنبدأ من جديد بعد أن نمحي كل شئ، سيبدأ صدام المنطق والرأي العام والتعليم، وكذلك المؤسسات والمتاحف والذوق الجيد وكل ما هو قائم”.
تحول المدرسة الدادائية إلى السريالية
- اعتمدت الحركة الدادائية في إنجازاتها الفنية على ما يُسمى بالنفايات وقصاصات الجرائد، والتي تهدف إلى السخرية من الفن ومهاجمة قيمة وتخريب الجمال.
- لذلك فهي تُعد حركة فنية عدمية عشوائية، تناقض الفن وأُطلق عليها اسم “ضد الفن”، لكونها تعرض كل ما هو غريب وقبيح وعابث وساخر وغير معقول.
- أدت طبيعتها المتمردة على كل ما معقول ومنطقي إلى انتشارها السريع.
- لذلك فإن اللوحة الدادائية تستمد جمالها من العبثية والفوضى، والمستمدة من مبدأ معاداة الفن واختراق حدود العقل في توظيف وسائل التعبير الفني التشكيلي.
- بالإضافة إلى الخروج عن نطاق القيم والمُثل والقواعد الأكاديمية والنظم الكلاسيكية للفنون، ومن هذا المنطلق فقد أعطت مفهومً جديدًا للفن لم يكن معهودًا من قبل .
- بدأت آثار المدرسة الدادائية في الإختفاء عام 1924، حيث تحولت معالمها إلى معالم جديدة فوق الواقع سميت بالسريالية.
خصائص المدرسة السريالية
الخيال المتدفق
- كما هو الحال في أعمال الفنان السريالي “مارك شاغال”، عندما قام برسم الأشياء والأغراض في حالة عدم اتزان.
- كما رسم خيلًا بأجنحة مبتكرة وصور الأشخاص في تكوين معماري خالٍ من المنطقية.
- كان يرسم فتاة تحمل على أكتافها رجل يشرب كأس نبيذ، في لوحته “صورة مزدوجة مع كأس نبيذ”، فكل ذلك نابع من وحي الخيال الشخصي.
اللاشعور والأحلام
- كما نرى في أعمال الفنان “سلفادور دالي” عندما رسم ساعات حديدية، في لوحته “إصرار الذاكرة” على أنها مادة مطاطية ذائبة على طاولة.
- أو حينما قام برسم ثلاثة فتيات على الشاطئ، الجزء السفلي منهن مرسوم بدقة وتناسب، وعند الاتجاه للأعلى تختفي التفاصيل، وتندمج مع البحر والضباب.
- أما في لوحة “الشاطئ مع ثلاثة فتيات”، فقد تحدى سلفادور الكلاسيكيين في الرسم الدقيق مع إدخال لمسته الفوق واقعية، واستخدام عقله الباطن والفكر المنبثق من أحلامه في لوحاته.
أهم سمات المدرسة السريالية
اختراع الرموز
- كما نجد في لوحات الفنان “خوان ميرو”، فمن ينظر إلى رسوماته يشعر كأنه يرى صور لأشياء ورموز غريبة تحت المجهر.
- كما أن” ميرو” يستوحي رموزه من الأشكال الهندسية، أو من أجزاء من جسم الانسان مبالغاً فيها، حين يرسم إيحاءات يمكن تفسيرها كسمكة بوجه آدمي.
- كان يرسم رموزه على خلفية تحمل ومضات ضوئية في طياتها، وظلال ببعض الجوانب الأخرى، مع إحداث مزج ما بين الألوان المبهجة مثل البنفسجي والأزرق والأحمر والأصفر والبرتقالي .
الاسترسال دون الخضوع للتفكير
- هو تجسيد الحس الفني للفنان وهو نصف نائم، ماسكاً بيده الفرشاة سامحاً لها بالانطلاق دون تفكير.
- بحيث تعبر اللوحة الناتجة عن المخاوف الدفينة والعالم الغامض في حياة الفنان.
الكتابة التلقائية
- هو تطبيق النظريات الحديثة في إظهار تحليل نفسي لدفع نشاط الفنان إلى الأمام.
- تقوم فكرتها على تداعي الصور والخيالات في وعي الفنان وهو في تمام يقظته، ليس نصف نائماً كما فعل الفنان السريالي “شيركو” الذي يصور الأشكال المعمارية من منظور جديد، كأن يقوم برسم مدينة ينعق فيها البوم.
- تستمر التفاصيل في تلك اللوحة بتداعي العوامل البصرية، بحيث يخرج جانب من السحر والخيال بشكل تلقائي في تلك اللوحات.
أبرز فناني المدرسة السريالية
امتلكت هذه المدرسة العديد من الفنانين والرواد، الذين اعتمدوا بشكل أساسي على مفهوم الفن الخيالي، ومن أبرزها ما يلي:
ماكي أرنست (1891 – 1974)
- نشأ أرنست في مدينة بروهيل الألمانية، تدرب على الفن والرسم في برلين وباريس بدون معلم، وأصبح من ممثلي الحركة السريالية الرئيسيين في فرنسا.
- امتازت أعماله بخياله الخصب الذي يغوص في أعماق الطبيعة واللاشعور الإنساني، ومن هنا استطاع أن يخلق عالمًا طبيعيًا جديدًا ومبتكرً بآن واحد.
رونيه ماغريت (1898 – 1967)
- نشأ في مدينة ليسين البلجيكية، ودرس الفن في أكاديمية الفنون الجميلة بمدينة بروكسيل، حتي عام 1925 حملت لوحاته الطابع الخيالي.
- حين احتك الفنانين السرياليين في باريس، فجاء ذلك داعمًا لنمط الخيالي، وعمل على تقوية التعبير الخارق الذي كان يسعى إليه.
مارسيل دوشان (1887-1968)
- فرنسي الأصل وُلد في باريس ودرس الرسم في أكاديمية جوليان، وهو من مؤسسي الحركة الدادائية.
- اشترك حتى عام 1925 في الحركة السريالية ومن ثم اعتزل الفن واستقر في نيويورك.
هانز آرب (1887-1966)
- هو شاعر ونحات ولد في ستراسبورغ، وانتقل إلى باريس والتحق بأكاديمية جوليان، واشترك عام 1916 في إصدار البيان الدادائي.
سلفادور دالي أشهر فنان سريالى
- هو سلفادور فيليبي خاسينتو دالي آي دومينيك، ولد في مدينة جرندا الإسبانية، وقد سُمّي باسم شقيقه الذي توفي قبل مولده بثلاث سنوات.
- قال دالي “لقد كنت في نظر والدي نصف شخص أو بديلًا لأخي، و كانت روحي تعتصر ألمًا وغضبًا كلما تذكرت هذه النظرات الحادة، التي كادت تحسبني دون توقف بحثًا عن أخي الذي غاب عن هذا الوجود”.
- ساهم في دخوله للفن أحد جيران عائلته، وعندما كان في السابعة من عمره استطاع أن يلفت انتباه من حوله في المدرسة إلى رسوماته التي تنبأت بمستقبل رائع.
- دفع ذلك عائلته وأساتذته وأصدقائه إلى حثه على الالتحاق بأكاديمية الفنون الجميلة في مدينة مدريد.
- خصص دالي يوم الأحد من كل أسبوع للذهاب إلى متحف البرادو، وكان يقف بالساعات الطويلة أمام لوحات الفنانين المشاهير.
- كان يذهب إلى المقاهي المشهورة بالفن، و يشترك بالنقاشات الفكرية الحماسية حول الفن.
- في أواخر العشرينات اهتم دالي بكتابات العالم النفسي سيجموند فرويد وخاصة كتاب “تفسير الأحلام”، حيث أثّر ذلك على الأسلوب الفني لدالي و جعله يميل بشدة نحو السريالية.
- وحين تزوج المعروفة باسم غالا ظهر تأثيرها بشكل كبير على فن دالي، فقد كانت حريصة كل الحرص على منع تخيلاته المتطرفة في الحياة والفن حتى لا تصل إلى حد المرض.
- كان حرصها الدائم سببًا هامًا في تزايد العلاقة بينهما، حيث وصل دالي إلى أن يُوقع على بعض أعماله الفنية ولوحاته باسمه واسمها معًا.
أبرز أعمال سلفادور دالي
- كان له دوراً كبيراً في تاريخ المدرسة السريالية، حيث أوجد نظرية “البارانويا النقدية”، أو ما يعرف “بالنقد المبني على الهلوسة”.
- حاول تصوير الغيبيات بشكل مدهش وبأسلوب عميق نفاذ في لوحة “إصرار الذاكرة”.
- كما قام برسم لوحات دينية كثيرة ولوحات بالغة في روعة تفاصيلها عبر العصور الفنية.
- ألف كتابين “يوميات عبقري في باريس”، وهو يُعبر عن قصة حياته اليومية.
- كتاب “الحياة السرية لسلفادور دالي”، ويُعد تكملة لقصة حياته وهو أكثر كتبه إثارةً، كما كتب سيناريو فيلم “كلب أندلسي”، وهو مزيج أحلام لا يستطيع المشاهد إيجاد تفسيرًا منطقيًا لها، وكتب سيناريو فيلم “العصر الذهبي” الذي لم يتمكنوا حتى الآن من تفسير أحداثه.
- توفي الفنان سلفادور في الثالث والعشرون من كانون الأول لعام 1989، تاركًا تراثًا وميراثًا فنيًا ما زال يُذهل العالم بأثره حتى الآن.
- من أبرز وأشهر لوحاته صورة لرجل شريف تتضح تفاصيلها في رسم شارع، وكذلك صورة لطبيعة تُمثل شكل رجل.
- علاوةً على صورة تمثل ولادة الفجر بالإضافة إلى لوحة بعنوان إصرار الذاكرة.
لا شك أن آثار الحياة المأساوية للحرب العالمية الأولى كان لها أثراً كبيرًا، وبصفة خاصة ظهور تعريف المدرسة السريالية والتي تُعد بمثابة الأم التي أنجبت لنا مدرسة تتبنى الفن الخيالي، والذي لا ينظر إلى أي تحكمات منطقية ولا أخلاقية أو جمالية، والتي احتوت على العديد من أشهر وأهم الفنانين عبر التاريخ، الذين تركوا تراثًا فنيًا لا يُقدر بثمن وما زال متواجدًا حتى يومنا هذا.
عزيزي القارئ نتمني أن نكون قد قدمنا كافة المعلومات لموضوع تعريف المدرسة السريالية عبر موقع محتوى ونحن على أتم الاستعداد لرد على إستفساراتكم في أسرع وقت.