ما هو التسامح الفكري ؟ وكيف يُمكن إثراءه
إن تنمية عقل واسع بحيث يمكنه تحمل كل رأي دون أن يكتشف أي شيء فيه لرفضه، ليس فضيلة.. بعد قولي هذا، يجب أن نفكر فيمن أحب وتقبل جميع الناس، لكنه كره الكثير من أفعالهم لنقول إنه مثالًا على المتسامح فكريًا.
ما هو التسامح الفكري
على الرغم من أن تعليم الفضائل الفكرية، بما في ذلك فضيلة التسامح الفكري قد حظي باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة، إلا أنه تم التركيز بشكل أقل على عقبات محددة يمكن أن تمنع تنمية تلك الفضيلة الفكرية.
في أبسط معانيه، هو احترام آراء الآخرين فكريًا، لتعزيز مفاهيم أخرى كالعفو والتعايش السلمي وتقبل الآخر والتعددية، ورفع المستوى الإنساني والأخلاقي لبني البشر.. نؤكد، هو التسامح مع آراء الآخر وتقبلها لا تبنيها.. هذا ما يتطلبه التكوين التعددي للمجتمع في إطار الحرية والديمقراطية والمساواة.
كما هو الحال مع معظم المفاهيم المستخدمة في الخطاب الفلسفي، لا يتفق الفلاسفة على ماهية التسامح الفكري.. حيث بدأت الفضائل الفكرية بشكل عام والتواضع الفكري بشكل خاص مؤخرًا تحظى باهتمام أكبر من قبل التربويين وعلماء النفس والفلاسفة.
لا سيما أولئك الذين يعملون في إطار نظرية معرفة الفضيلة.. التي تصور الفضائل على أنها قدرات معرفية موثوقة، وسمات فكرية جيدة قد تستلزم أو لا تنطوي على النجاح في الوصول إلى المعرفة أو الفهم ولكنها تتطلب شيئًا معينًا.. نوع من الدوافع الصحيحة من أجل اعتبارها فضائل.
مما يزيد من تعقيد المشهد المفاهيمي للتسامح الفكري.. إلا أننا نخلص أنه فضيلة فكرية تهتم بتطوير وجهة نظر صحيحة للوضع والقدرات الفكرية للفرد، تنطوي على الاعتراف بقابلية الخطأ، وعدم الرغبة في النظر إلى الذات على أنها أكثر قيمة بطبيعتها بسبب القدرات الفكرية المتصورة، أو حتى الميل إلى التقليل من شأن نوايا المرء.
التسامح الفكري يتطلب تقديرًا منخفضًا للقدرات أو المكانة الفكرية للفرد، ويعارض بشكل أساسي رذائل الغطرسة والغرور.. فالمثقف المتسامح فكريًا يعني عدم أخذ مكانة المرء الفكرية على محمل الجد، حتى لو كان بارعًا بشكل استثنائي، الأمر الذي يتطلب درجة معينة من الدقة في وجهة نظر المرء فيما يتعلق بنفسه.
يمكن فهم التسامح الفكري على أنه الوسيط بين رذيلتي الغطرسة الفكرية وعدم الثقة الفكرية.. على أن المفهوم الأساسي الذي تشترك فيه معظم تعريفاته هو الاستعداد للاعتراف بأن بعض معتقدات المرء قد تكون خاطئة..
نظرًا لأن أحد القيود التي يشترك فيها جميع البشر هو القابلية للخطأ.
ربما وجدنا أن ما حظي باهتمام البعض هو مفهوم التسامح الفكري.. وما لم يحظ باهتمام بعد.. تلك العقبات التي يمكن أن تقف في طريق تكوين الفضائل الفكرية بشكل عام والتسامح الفكري بشكل خاص.. فإن إدراك هذه العقبات وتحديد طرق بناءة لمعالجتها هي خطوات أساسية في عملية تطوير الشخصية السوية.
أركان التسامح الفكري
من الممكن تحديد ثلاثة مكونات على الأقل للتسامح الفكري والتي تعتبر -بشكل معقول- مكونات ضرورية لأي فضيلة فكرية:
1- المكون المعرفي
قد يتضمن الموافقة على الافتراض القائل بأن الفرد محدود في قدراته الفكرية، وسيتضمن المطالبة بالاعتراف بحقيقة أن القدرة الفكرية لا تترجم إلى قيمة بشرية متأصلة.
نلاحظ أن هذا المكون المعرفي، في شكله الأدنى، يتوافق مع المفهوم الأساسي للتسامح الفكري، بغض النظر عن المكونات الأخرى (الاجتماعية، العاطفية، العاطفية.. إلخ) التي قد تنطوي عليها.
2- المكون العاطفي
الشخص الفاضل حقًا سيرغب في التصرف أو التفكير بشكل فاضل وسيسعد إلى حد ما بمثل هذا الفكر.. حقًا سيكون له موقف إيجابي تجاه ممارسة التسامح الفكري، وهو ضروري في بنية التسامح لأنه من الممكن تخيل شخص يعطي موافقة على مضض على بيان يتعلق بقابلية الخطأ له.
على الرغم من إدراكه التام لهذه القابلية إلا أنه ينفذ “التسامح”، إن المكون العاطفي المضاف إلى المكون المعرفي هو ما يعطي الفضيلة صورتها الفريدة مقارنة بالفضائل الفكرية الأخرى.
3- المكون التحفيزي
أخيرًا، هناك عنصر تحفيزي للتواضع الفكري، يحدد السبب الذي من أجله يمارس الشخص فضيلة.. على أن يتكون هذا الدافع من حب الحقيقة، أو ربما على نطاق أوسع، حب “الاتصال المعرفي بالواقع”.
لأنه من الممكن تخيل شخص يحقق المكونات المعرفية وربما حتى العاطفية، ولكن مع ذلك يمارس التصرف من منطلق الرغبة في الظهور الودود والانفتاح على الغير.. وعليه، إن المجال المفاهيم للتسامح الفكري متنوع ولا يزال وعرًا إلى حد ما.
تعرف علي: معنى اسم صفوح (Safouh) وصفاته في معجم اللغة
بأي معنى يكون التسامح فضيلة؟
بالنظر إلى الغرض من مضمون التسامح الفكري نجده السماح للأفراد والجماعات الذين يؤيدون وجهات نظر مختلفة للغاية ويعيشون أنماط حياة مختلفة جدًا للعيش معًا بشكل منتج في نفس المجتمع.
على أن التسامح الخالص يناشد المساواة الاجتماعية والسياسية للأفراد في المجتمع، وهي المساواة التي تؤدي إلى حق كل فرد في اختيار معتقداته الخاصة وطريقته في العيش ضمن حدود، وبناءً على هذا التعريف ندرك تمامًا أن منظور المرء ومنظور الآخر ليسا سوى اثنتين من وجهات النظر العديدة المختلفة الموجودة في مجتمع تعددي.
فالدافع وراء التسامح هو الرغبة في احترام استقلالية الآخرين، أو الحفاظ على مجتمع حر، أو الاعتراف بالمساواة الأساسية لجميع البشر.. وهذا ما نعنيه في توضيح ما هو التسامح الفكري.
نظرًا لأن التسامح يحظى بتقدير كبير في مجتمعنا، فإذا تمت ممارسته بشكل غير لائق يمكن أن يتعدى على العمليات الصحيحة للتسامح الفكري.. هذا عندما يُساء فهمه على أنه فضيلة فكرية وليس فضيلة مدنية، يمكن أن ينتهك ويشكل التواضع الفكري الحقيقي.
شاهد أيضا: حكم وأقوال عن الصدق واجمل عبارات عن الصدق في الحياة
كيفية إثراء التسامح الفكري
هناك بعض الفضائل والمهارات التي عند التحلي بها نكون بصدد أولى الطرق في تبني التسامح الفكري وترسيخه، نشير إليها بعد العلم بماهية التسامح الفكري، والتي جاءت على النحو التالي:
الاستماع | إعطاء مجال للآخر حتى يعبر عن رأيه بحرية. |
التعلم | رفع المستوى الثقافي بالتعرف على أساليب تفكير الغير. |
إعطاء مساحة للفهم | لاستيعاب السبب وراء تفكير الطرف الآخر في وجهة نظره. |
التسامح الفكري في الإسلام
كان وما زال الدين الإسلامي خير منهاجًا للهداية.. هداية الفكر والعقيدة، فهو المثال الذي ارتآه –سبحانه وتعالى- ليكون أسلوبًا نموذجيًا لبناء التضامن بين بني البشر، ليكون أمثل طريقة للتعاملات فيما بينهم.. فلا هو سلطة قهرية ولا شريعة جامدة، إنما استنهاض لكافة المشاعر السامية التي تقوم على التسامح وقبول الآخر والكثير من الفضائل.
فالإسلام كفكر وعقيدة سمحة أكد على كثير من المبادئ التي يسير على اتباعها المسلمون، من أهمها اللين واللا عنف، الذي ينطوي على التسامح وقبول التعدد، فقد أشار في غير مرة إلى ضرورة المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة.
قال الله تعالى في سورة النحل:
“ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)“.. وفي سورة العنكبوت: “وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)“.
كذلك قال تعالى في سورة فصلت:
“وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)، وفي آل عمران: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)“.
التسامح المذكور في مضمون الآيات الكريمة ذو بُعد وجودي، أي أنه ضروري وفقًا لضرورة الوجود ذاتها، والتي اقتضت أن يكون بني البشر في تجمعات، نظرًا إلى حاجاتهم إلى التجمع، حتى وإن لم يشتركوا في وحدة الأصل والدين واللغة وما إلى ذلك.
حيث يحث الدين الإسلامي على قبول التعددية وإقرارها، فلا إكراه في الدين، كذلك لا إكراه في الفكر، فالجميع ينحدر من نفس واحدة، إلا أن المعتقدات متباينة وإن كانت غير صائبة جمعاء.. إنما تلك الفضيلة الأخلاقية “الضرورة المجتمعية” هي التي تحثنا على قبولها، ألا وهي التسامح الفكري.
يبدو أن المحاولات الهائلة لتعريف التسامح الفكري لا تترك أملًا في وجود أي سمة موحدة.. وبالتالي فإن هذه التحليلات قليلة الفائدة عندما يتعلق الأمر بفهم التسامح الفكري كفضيلة يجب تعزيزها.