ما مفهوم التخاطر وحكمه في الإسلام
ما مفهوم التخاطر وما حكمه في الإسلام؟ يعود التخاطر إلى الوقت الذي لم يكن فيه العلماء على دراية كاملة بعلوم المخ، إلا أنهم مع تقدم العلوم الفيزيائية كانوا يمهدون له.. وهو قريب من الأمراض النفسية التي يفتقد فيها المصاب القدرة على التحكم في أفكاره.. وأنها تُتنزع منه رغمًا عنه أو أن هناك من أدخلها برأسه عُنوة، وما يعنينا هنا أن نشير إلى مفهوم التخاطر من وجهة نظر إسلامية.
التخاطر وحكمه في الإسلام
قال الله تعالى في سورة الزمر: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)”.
يُقصد بالتخاطر أنه إمكانية التواصل الذهني مع شخص ما لا عبر كلمات أو مقابلة.. إنما محض التفكير لا أكثر، ويُعرف بأنه نقل الأفكار من شخص لآخر، دون استخدام الحواس المعتادة، هذا ما نستدل به على أنه نوع من الإدراك الذي يخرج عن دائرة الحواس برمتها.
ذهب كثير من العلماء إلى أن التخاطر لا أساس له، فهو عبارة عن وهم لا يوجد له دليل ملموس أو مادي، لذا لا يُمكن للعقل البشري تقبله، من هنا نجد أن الدين لا يعترف بالتخاطر وحكمه في الإسلام حرام ومن يعتقد به آثمًا، لأن ديننا الإسلامي يُحذر من كل علم زائف لا يُعتد به نافعًا.. بما في ذلك تخاطر الأرواح والإسقاط النجمي وما إلى ذلك.
حيث إن تخاطر الأرواح يعتقد البعض أن لديهم القدرة عليه، واستدعاء أرواح الموتى والحديث معهم وما شابه، من خلال سبل من الشعوذة إن صحّ القول.. وهذا محرم في الشريعة لا يقنع به العقل.
لا يفوتك أيضًا: كيف تجعل شخص يفكر فيك بالتخاطر
التخاطر والمعتقدات الإسلامية
كثيرٌ من الناس استندوا إلى أن التخاطر لم يكن حديثًا، إنما يعود إلى العصر الإسلامي، واستدلوا على حادثة عمر بن الخطاب مع سارية الجبل التي جاءت في الآية القرآنية: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)” سورة الإسراء.
فقد روي عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنه- قال: “أنَّ عمرَ وجَّهَ جيشًا ورأَّسَ عليهم رجلًا يقال له: (ساريةُ)، قال: فبينما عمرُ يخطبُ، فجعل يُنادي: يا ساريةُ الجبلَ، يا ساريةُ الجبلَ (ثلاثًا)، ثم قدم رسولُ الجيشِ فسألَه عمرُ؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين! هُزِمْنَا، فبينما نحنُ كذلك إذ سمعنا مناديًا: يا ساريةُ الجبلَ (ثلاثًا)، فأسنَدْنا ظُهورنا بالجبلِ، فهزمَهُمُ اللهُ.. قال: فقيل لعمرَ: إنك كنتَ تصيحُ بذلكَ”.
لكن هناك لبسٌ في ذلك الاعتقاد، لأن التخاطر يعتبر عند علماء الفقه “الكشف” وهو ما يكون عن طريق رحماني أو شيطاني.. أي ما يُعرف بالإخبار عن طريق الجن، وينسبونه إلى ما كان يفعله مسيلمة الكذاب مدعي النبوة في التواصل مع الشياطين لمعرفة أحوال البشر حتى يتمكن من إغوائهم.
قد دلل العلماء على أن حادثة سارية الجبل مع الإمام عمر لا تنم عن التخاطر بمفهومه الحالي، إنما كانت تخص عمر بن الخطاب في ذاته، فهو الذي كان يجري الصواب على لسانه دون قصد منه، كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:
“لقَدْ كانَ فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فإنْ يَكُ في أُمَّتي أحَدٌ، فإنَّه عُمَرُ. زادَ زَكَرِيّاءُ بنُ أبِي زائِدَةَ، عن سَعْدٍ، عن أبِي سَلَمَةَ، عن أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ مِن بَنِي إسْرائِيلَ رِجالٌ يُكَلَّمُونَ مِن غيرِ أنْ يَكونُوا أنْبِياءَ، فإنْ يَكُنْ مِن أُمَّتي منهمْ أحَدٌ فَعُمَرُ.. قالَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما: مِن نَبِيٍّ ولا مُحَدَّثٍ” (صحيح البخاري).
لا يفوتك أيضًا: ما هو حكم الاسقاط النجمي في الاسلام
الفرق بين التخاطر والإلهام
لما كان التخاطر وحكمه في الإسلام حرام، فإنه يختلف بطبيعة الحال عن صدق الظن والإلهام الذي يمنحه الله لمن يشاء من عباده، إكرامًا منه وتفصيلًا، فالإلهام الذي يحدث لأحدهم في أمر ما لا يعتد به غير مشروع، إنما هو من الأمور التي أقرتها الشريعة.. والدليل على ذلك ما ورد في قصص السلف الصالح.
ورد في فيض القدير على لسان المناوي لبيان الإلهام: “(مُحَدَّث) أي ملهم أو صادق الظن، وهو من ألقى في نفسه شيء على وجه الإلهام والمكاشفة من الملأ الأعلى، أو من يجري الصواب على لسانه بلا قصد، أو تكلمه الملائكة بلا نبوة، أو من إذا رأى رأيا أو ظن ظنا أصاب كأنه حدث به وألقى في روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له.. وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده وهذه منزلة جليلة من منازل الأولياء“.
من هنا يعزو كرامة عمر بن الخطاب إلى باب المكاشفة والإلهام لا ما يُقال عنه أنه تخاطر وتوارد أفكار.
لا يفوتك أيضًا: علم الخوارق وما وراء الطبيعة
هل يعد التخاطر خطرًا؟
علمنا بما ذكرناه آنفًا أن التخاطر من العلوم الروحية ذات الصلة بالبرمجة العصبية، التي تعتبر محرمة في الشرع، لا ينتج عنها إلا المخاطر لمن يفعلها ومن يتلقيها ومن يعتقد بها أيضًا.. حيث إنه يصنف من العلوم الزائفة التي لا تدع عقل المرء إلا بإفساده.
مصداقًا إلى قول الله تعالى: “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)” سورة الإسراء.. حيث تحيد عقله عن الاستبصار والاستنارة بالعلوم النافعة.. فقط تعمل على تلقينه الأفكار التي لا تجدي في عقله اللاواعي.
كما يرتبط بالتخاطر الاعتقاد في أن الوجود واحد، ولا يوجد الخالق أو المخلوق.. إنما هناك “وحدة الوجود” تلك النظرية التي تعود إلى عصور قديمة دعى إليها من ليس لهم دين أو عقيدة.. من هنا نرى أن التخاطر وحكمه في الإسلام ليس فقط يجعلنا نبتعد عنه لكونه حرامًا، بل لأن العقل البشري في غنى عنه لأنه وهم بيّن.
على الرغم من ذيوع علم التخاطر والاتصال الذهني إلا أن المعتقدات الدينية ترى أنه لا يتفق مع الدين بأي حال، ولا يملك نتائج علمية.