من هو ابن بطوطة ؟ .. الرحالة الأمين
يزخر التاريخ بالعديد من الرموز والأيقونات الحية حتى الآن الذين لم تندثر ذكراهم بين الصحف، نظرًا لما قدموه من إنجازات فذة وعظيمة انتفعت بها البشرية، وإن واحدًا من أشهر الأسماء الراسخة في القلوب قبل الذاكرة هو الرحالة الأمين ابن بطوطة، الملقب بشيخ الرحالين، وهو ما نستفيض في شرح كافة التفاصيل المتعلقة حوله.
من هو ابن بطوطة ؟
هو أَبُو عَبْدُ ٱللّٰهِ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ ٱللّٰهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ يُوسُفَ ٱللَّوَاتِي ٱلطَّنْجِي بْنُ بَطُّوطَةُ بْنُ حَمِيدٍ اَلْغَازِي بْنُ ٱلقُرَيْشٍ اَلْعَلِي.
- هو رحالة ومؤرخ وقاض من قبيلة لواته في المغرب الأقصى.
- معروف باسم “ابن بطوطة” حيث أطلقه عليه الفرنجة واتبعهم الناس فيه، ولُقّب بلقب “أمير الرحالين المسلمين”.
- ولد في طنجة عام 1304 م/ 703 هـ، وتوفى عام 1377 م/ 779 هـ في طنجة أيضًا.
- بدأ في طور رحلاته وهو في سن 22، بدأ من المغرب العربي ثم إلى مصر، الحبشة، الشام، الحجاز، تهامة، نجد، العراق.
- مر بعدها إلى بلاد فارس، اليمن، عمان، البحرين، تركستان، ما وراء النهر.
- ثم إلى أجزاء من الهند، الصين، جاوة، بلاد التتار، أواسط أفريقيا والأندلس.
- عرف بتنظيمه للشعر، واتصل بالعديد من الملوك نتيجة أسفاره، وقد كان يستعين بهباتهم في الأسفار.
- عاد بعد ترحالات مميزة واكتشافات عظيمة من رحلة استغرقت 27 سنة، إلى موطنه المغرب الأقصى.
- وأملى على “محمد بن جزي الكلبي” في مدينة فاس أخباره وقص عليه ما واجهه في رحلته الطويلة، وأطلق على الكتاب اسم “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”.
اللمحات الحياتية الأولى لابن بطوطة
لمعرفة من هو ابن بطوطة فلا بد التعرف على بداية حياته، التي بلا شك كانت النواة الأولى في تشكيل كينونته وما استقر عليه من اختيارات حياتية قادته لأيقونة الترحال التي نعتبر بها الآن وعلى مر العصور:
- كان ابن بطوطة ينتمي لعائلة يشغل معظمها في سلك القضاء، وهم ممن ينتمون إلى المذهب المالكيّ.
- درس ابن بطوطة وتعلم شيئًا من علوم الدين، كما كان حال غيره الذين ينتمون للطبقة الاجتماعية المتوسطة.
- تولى بعد ذلك القضاء لمدة 5 سنوات على عادة أفراد أسرته، وكما كان سعى له أبوه.
- لكن كان لابن بطوطة هدفًا آخر وضعه في الأولوية، فبمجرد بلوغه سن 21 واستكمال دراسته الفقه والأدب، سعى لتحقيق رغبته الأولى في الحج وزيارة بيت الله الحرام.
- بالفعل عمد إلى ذلك وبدأت الرحلة في شهر رجب عام 725هـ، ويمكن القول إنها انتهت عام 754 هـ، بوصوله مدينة فاس.
- في فرق تلك السنين توثق عالميًا ابن بطوطة بكونه أهم الرحالة، تفرّد بين كافة الرحالين بقطع أكثر من 75.000 ميل، وهي مسافة لم يقطعها أي رحالة منفرد إلى أن ظهر عصر النقل البخاري، وقد كان بعد 450 عام.
اطلع علي: من هو مكتشف أمريكا الحقيقي
الرحلة الأولى لابن بطوطة “بداية تحقيق الحلم”
يقول عنها ابن بطوطة مسجلًا لتلك اللحظة المميزة:
” من طنجة مسقط رأسي يوم الخميس 2 رجب 725 هـ / 1324 م معتمدا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم….”
- رحل ابن بطوطة من مدينته متجهًا إلى مكة لأداء مناسك الحج، وقد استغرق الوصول منه 16 شهر.
- سافر لها برًا من خلال ساحل بلاد المغرب، وقد عبر ذلك على تلمسان وهي مدينة بغرب الجزائر، وبجاية، وتونس حيث مكث بها ما يناهز الشهرين.
- حبّذ بعد هذا الانضمام إلى قافلة لأجل سلامته والحدّ من خطر الهجوم عليه من قبل بدو العرب.
- بعد رحلة قطعت 3.500 كم، وصل إلى الإسكندرية التي قضى بها أسابيع يزور فيها مناطق مختلفة والتي كانت حينذاك جزءً من إمبراطورية المماليك البحرية.
- اتجه بعدها إلى القاهرة قضى بها حوالي شهر، وكانت عاصمة سلطنة المماليك ومن أهم وأكبر المدن.
- كان له 3 خيارات من الطرق للاتجاه إلى مكة، لكنه اختار من بينهم الطريق الذي لا يتطرق له المسافرون كثيرًا، كان بالذهاب إلى وادي النيل ومنه إلى شرق ميناء على البحر الأحمر، إلا إنه اضطر للرجوع للقاهرة مرة أخرى مجبرًا جراء ثورة محلية على البلاد آنذاك.
- وهنا قد تحققت تنبؤ رجل علم قال له إنه لن يصل لمكة إلا بالسفر إليها عبر الشام.
- بالفعل قام بالرحلة ثانيًا وكانت تلك المرة إلى المماليك التي تسيطر على دمشق، وكان هذا التحول في المسار لصالحه، حيث كانت السلطات تبذل جهدها لحماية الحجاج، نظرًا للأماكن المقدسة على طول الطريق منها، القدس، بيت لحم، الخليل.
- وكانت تحميهم من السرقة أو القتل، حيث تعرض لهذا الأمر الكثير من المسافرين.
- أمضى ابن بطوطة شهر رمضان في دمشق، ثم انضم لقافلة مسافرة إلى المدينة المنورة جنوبًا، وبعد الوصول إليها مكث بها 4 أيام ومنها سافر إلى مكة واستكمل حجه، وحاز على لقب “الحاج“.
- وهنا كان قراره بعدم العودة إلى الديار، بل الاستمرار في رحلاته.
اطلع على: من هو مؤسس الدولة الأموية ؟
ترحال ابن بطوطة إلى “العراق وبلاد فارس”
كانت الخانات المغولية في الشمال الشرقي وجهة ابن بطوطة، بعد قضاء شهر في مكة، حيث انضم إلى قافلة كبيرة للحجاج العائدين، وبعد رحلة دامت أسبوعين وصل إلى “النجف” حيث قام بزيارة ضريح “علي بن أبي طالب” رضي الله عنه، ومن ثم مر بالتالي:
- كان ضيفًا في الخانات على حاكم الموصل، وأعطاه الصوفي الكردي الشهير في سنجار قطع نقدية نادرة.
- بدأ بعدها رحلته التي دامت 6 أشهر وكان بمطافها بلاد فارس.
- في العراق قد مرّ على العديد من المدن الهامة والرئيسية، حيث صار يصف حال وأمور كل واحدة فيهم على حدة، وصفات الناس وخصالهم.
- من المدن التي ذكرها هي “واسط” فذكر عنها الجوّ الجميل وحُسن مظهرها، وزخرة بساتينها، ونسب أهلها من الأخيار الحافظين لكتاب الله تعالى بتجويده، ب وأن الناس يأتوا إليها من شتى البقاع للتعلم.
- كما مر على البصرة، الكوفة، بغداد، وغيرهم الكثير مما خاض في تفاصيلهم.
- ومن بلاد فارس التي أشاد بها مدينة شيراز، وهي من أجمل المدن والتي كانت تحتفظ بجمالها وأمنها في ظل الخراب السائد من قبل المغول، حيث امتازت ببساتينها وأنهارها المتدفقة ومبانيها ذات العمارة الفنية المبهرة ومساجدها الشهيرة التي من أكبرها “المسجد العتيق”.
اطلع على: بالصور : من هو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان
ابن بطوطة من البلاد العربية إلى آسيا والصين
قد عاد ابن بطوطة إلى مكة مرة أخرى وقام بالحج، من ثم تطرق لبلاد شبه الجزيرة العربية متخذًا مساره لميناء جدة، ثم اليمن، ومن ثم تتالت الترحالات التالية، والتي بالطبع يحفّها الكثير من التفاصيل:
- الصومال، بداية من زيلع، ثم جوردفوري ومنها إلى مقديشو التي وصفها حينها “المدينة الكبيرة بإفراط”.
- عاد مرة أخرى إلى مكة ليؤدي حجة، وقضى بها عامًا، ثم قرر بعدها العمل مع سلطان دلهي المسلم، وهنا كانت بداية رحلته إلى الشرق الأدنى وآسيا الوسطى وجنوب آسيا.
- السفر إلى جنوب آسيا والصين، مرورًا إلى كهومبهات، والإبحار إلى كاليكوت وأندونسيا.
- من جزر المالديف إلى سريلانكا، وميناء شيتاغونغ بنغلاديش حاليًا.
- مقاطعة فوجيا بالصين، مدينة قوانغتشو.
- العودة إلى الديار.
- الأندلس والمغرب.
- من المغرب والصحراء إلى مالي وتمبكتو.
اطلع على: من هو اليتيم في الشريعة واللغة وكم عمره
علم واكتشافات ابن بطوطة الرحالة الأمين
- كان ضليعًا وذو معرفة واسعة بطب الأعشاب، حيث كان يداوي نفسه بنفسه.
- هو أول من ذكر استعمال ورق النقد في الصين، كما تحدث عن استعمال الفحم الجيري.
- تعلم خلال رحلاته اللغتين الفارسية والتركية وأتقنهما.
- تعرض خلال رحلاته لعديد من الظروف الصعبة والمهالك في الصحاري الغابات ونجا من القراصنة ومن الموت أكثر من مرة، ومر بالمواقف التي أثبتت أمانته أكثر من مرة فاتصف بها.
- ذكر بأوصاف دقيقة عادات وتقاليد الشعوب ودونها، كما نشر أخبارهم في كافة مجالات الحياة.
- بعد اتصاله بأبي عنان المريني وأقام في حاشيته يروي للناس ما رآه من عجائب وغرائب خلال رحلاته وأسفاره، فأمر السلطان وزيره محمد بن جزي الكلبي بتدوين كل ما يمليه عليه ابن بطوطة، وتم الانتهاء من ” تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” عام 1356.
- زار ابن بطوطة ما يعادل 40 بلدًا حول العالم، وحددت المسافة في 117.000 كم.
- ترجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والتركية، ويقول فيه متحدثًا عن نفسه:
” بلغت بحمد الله مرادي في الدنيا وهو السيّاحة في الأرض، وبلغت من ذلك ما لم يبلغه غيري فيما أعلمه، وبقيت الأخرى، الرجاء قوي فى رحمة الله وتجاوزه، وبلوغ المرام من دخول الجنة”.