الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة
قوله تعالى “الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم” أول جُزء في أعظم آية في القرآن وهي آية الكرسي، فأَطلق عليها أهل العلم سيدة القرآن الكريم لِما جاء في السُنة النبوية من فضائل كثيرة لها، فقد نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلًا ودعا زيد بن حارثة لكي يكتبها سريعًا، فيروى أنه عندما نزلت خَرَتَ كل أصنام العالم وسقطت تيجانهُم وكان الأمر بسبب نزول هذه الآية.
الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة
إن آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم، فعندما نزلت تأثر الأصنام المبنية في كافة مناطق العالم وأخذت تتفتت وتنهار، وكان الناس يتساءلون حول الأمر، لكن أكد عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن السبب هو نزول آية الكرسي.
سُميت بذلك الاسم لِما ورد فيها في قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، ويُقصد به كرسي الرحمن.. ونظرًا لِما تضمنته من توحيد فهي تعدل ربع القرآن في أجرها، فقال تعالى:
(اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
لم تُذكر كلمة الكُرسي في القرآن الكريم في موضع آخر إلا تلك الآية، الأقاويل حول آية الكرسي والتفاصيل الخاصة بها كثيرة لكن القول المؤكد من السلف الصالح والتابعين لهم أن الكرسي من خلق الرحمن وهو يقع في عرش الرحمن ويكون موضع قدم الله عز وجل.
قال سعد بن جبير رضي الله عنه: (عن ابنِ عباسٍ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قال: موضعُ القدمينِ ولا يقدرُ قدرَ عرشِه إلا اللهُ).
ذُكر أن السبب في نزول آية الكرسي هو التأكيد أن الله لا ينام؛ لأن قوم سيدنا موسى سألوه هل ينام الله؟ فطرح موسى على مولاه -عز وجل- ذلك السؤال فأمر الملائكة أن يؤرقوه ثلاثة مرات أثناء نومه ولا يتركوه لينعم بنومه، ثم منحوه قارورتين من الزجاج ويظل مُمسك بهم ولا يكسرهُما أبدًا.
فكان موسى -عليه السلام- ينعس ثم يستيقظ، لكن في المرة الثالثة غفل وكسر القارورتين، فأشار الله -عز وجل- أن هذا حال الكون إن غفل الله.
لا يفوتك أيضًا: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة
تفسير آية الكرسي
أشار الله تعالى في قوله “الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم” إلى عظمته وكمالُه في كل ما يُصدر منه، فلا يحق لأي مخلوق سواه، لذا على كل المخلوقات أن تتبع كلام الله وأوامره، كما ذكر الله -عز وجل- بعضًا من أسمائُه التي تُشير إلى انفراده بالأعمال التي لا يتمكن من القيام بها مخلوق سواه.
فيُمكن الاستدلال على علم الله الذي وسع كُل شيء عندما كان موسى والخضر معًا، ورأى عصفورًا ينقر في البحر، فأشار إلى موسى قائلًا إنه مهما وسع من علمِه وعلِمَ موسى شيئًا فيكون مثل ما نقر العصفور من البحر من علم الله عز وجل.
فالله هو الحي الذي لا ينام ولا يغفل عن خلقِه، وأكد على أن ما يملكه من علم لا يسع لأي مخلوق مهما وصل به الأمر، ثم ذكر -عز وجل- الكرسي العظيم عظمة تفوق عظمة السماوات والأرض، وما هو إلا جزء بسيط من عرش الرحمن.
فذكر ابن مسعود -رضي الله عنه- أن بين كل سماءين مسافة تصل إلى 50 عامًا، أما بين السماء الأخيرة وهي السابعة وكرسي عرش الرحمن 500 عام، بينما المسافة بين كرسي الرحمن والعرش مسافة 500 عام آخرين، فالله الغالب لا يؤوده شيء ولا يثقله.
لا يفوتك أيضًا: قراءة اية الكرسي في المنام
فضل آية الكرسي
“الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم” تلك الآية العظيمة، التي بدأت بتوحيده تعالى، فالمداومة على ذكرها فضل كبير نُجملهُ فيما يلي:
1- سبب في دخول الجنة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دبُرَ كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموتُ)، وذلك ما ثبت عن رسول الله أنه كان يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة وكان يوصي أصحابُه بذلك، وذلك لِما لها من فضل عظيم لأنها أفضل آية في القرآن.
2- أعظم آية في القرآن
كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأل أبيّ بن كعب رضي الله عنه (أيُّ آيةٍ في كتابِ اللَّهِ أعظمُ؟ – قلتُ: اللَّهُ ورسولِهُ أعلمُ، فردَّدَها مرارًا ثمَّ قال أُبَيٌّ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، فضربَ صَدري، وقالَ: ليَهْنِكَ العلمُ أبا المنذرِ).
فإن حفظ آية الكُرسي والمداومة عليها من أفضل ما يقوم به العبد، حيث لا يوجد آية أفضل منها أنزلها الله -عز وجل- ليداوم العبد على قراءتها يوميًا وفي كل وقت وكل حين.
3- تحفظ من الشيطان
توجد الكثير من الدلائل تُشير إلى أن آية الكُرسي تحمي وتحفظ من الشيطان عند قراءتها قبل النوم، فجاء إبليس ذات مرة على هيئة سارق يرغب في سرقة مال الصدقة، وكان أبو هريرة من يمسك أمرها فأمسك به وأخذ يشكو له الفقر حتى عطف عليه وتركه.
فقص ما حدث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكد عليه الرسول أنه سيعاود، وبالفعل عاد مرة أخرى وتركه أبو هريرة وقص على النبي وأكد أنه سيعاود، لكن في المرة الثالثة أمسك به أبو هريرة ولم يرغب في تركه وقال له رضي الله عنه: (لأرفعنّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فقال -صلى الله عليه وسلم- أن إبليس قال له: (إذا أوَيْتَ إلى فِراشِكَ فاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزالَ معكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، ولا يَقْرَبُكَ شيطانٌ حتَّى تُصْبِحَ، وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: صَدَقَكَ وهو كَذُوبٌ، ذاكَ شيطانٌ).
كما قال أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: (سورة البقرة فيها آية سيدة آيات القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي).
4- تزيد البركة
عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلًا أتى النبي فشكا إليه أن ما في بيته ممحوق من بركة فقال: أين أنت من آية الكرسي؟ ما تليت على طعام ولا إدام إلا أنمى الله بركة ذلك الطعام والإدام)، وعن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- قال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من قرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه الله تعالى).
فروى أبو موسى الأشعري أن الله عز وجل أوحى إلى سيدنا موسى عليه السلام: (أن من قرأ آية الكرسي في دُبُر كل صلاة مكتوبة، جعل الله له قلب الشاكرين، ولسان الذاكرين، وثواب النبيين، وأعمال الصديقين، ولا يواظب على ذلك إلا نبي أو صديق، أو عبد امتحن قلبه بالإيمان، أو أريد قتله في سبيل الله).
لا يفوتك أيضًا: تفسير قراءة آية الكرسي لطرد الجن
5- في قراءتها اتباع لسنة رسول الله
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- سأل روى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأل أحد أصحابه: (هل تزوج؟ قال لا، ليس عندي ما أتزوج به! قال: أوليس معك قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ؟ قال: بلى. قال: ثلث القرآن. أليس معك قُلْ يَا أيُّها الْكَافِرُنَ؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن. أليس معك إِذَا زُلْزِلَتْ؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن. أليس معك إذا جَاءَ نَصّر الله؟ قال بلى. قال: ربع القرآن أليس معك آية الكرسي؟ قال: بلى. قال ربع القرآن فتزوج).
كما ذكر الحسن رضي الله عنه: (أن رجلا مات أخوه فرآه في المنام فقال: أخي.. أي الأعمال تجدون أفضل؟ قال: القرآن. قال: فأي القرآن؟ قال: آية الكرسي ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنةۚ﴾ [البقرة:255] ثم قال: ترجون لنا شيئا؟ قال نعم. قال: إنكم تعملون ولا تعلمون، وإنا نعلم ولا نعمل).
أرسل الله عز وجل نبي الله محمد والقرآن الكريم إليه لتصحيح أعمال البشر وإرشادهُم، وإن كانت آية الكرسي أعظم آية بالقرآن فعليهم المداومة على قراءتها لنيل الفضل في الدنيا والآخرة.